الأربعاء

على وتر الوجدان

بليغ حمدي في بغداد

بقلم كريم العراقي

مجلة جواهر - ديسمبر 2011

"بليغ حمدي في بغداد"

لو كنّا في شهر نيسان.. لقلت هذه كذبة نيسان -

لا أمزح معك كن مستعداً.. فالملحن الكبير بليغ حمدي يريد أن يراك -

بليغ حمدي مرة واحدة يا أبا السعود؟ -

هكذا كان حواري مع النجم الفنان سعدون جابر. وكان ذلك في بغداد 1980.

نعم فقد إختار أربعاً من قصائدك لتلحينها -

وإلى أن جاء موعد اللقاء في فندق المنصور قرب دار الإذاعة والتلفزيون كنت أطير بأجنحة من القلق واللهفة.بليغ حمدي الذي صاغ أجمل المشاعر ألحاناً لأم كلثوم وعبدالحليم وعشرات المطربين.. "إذاً فرهبةٌ وتوترٌ ونشوةٌ فأعتدادُ".إستقبلنا بليغ حمدي في غرفته في الفندق. وكانت بساطته مفتاحاً الى دخوله لقلب مستمعه ومحدثه.

قال سعدون جابر:

- استاذ بليغ كريم متوتر، فقلت له يجب أن تشعر بالاعتداد لان بليغ حمدي إختار قصائدك بين عشرات القصائد.

وابتسم بليغ حمدي وأعاد لنا حكاية لقائه الأول بالسيدة أم كلثوم وهو في بداية عطائه الفني وعن كمية القلق التي كانت تملأ صدره.

ثم أزاح توتري تماماً حين قال:

- يا كريم نحن نتبع خطى مشاعركم ونسير وراء الكلمة المميزة والصورة المبتكرة والإحساس الصادق.. نحن الذين ننتظركم لتوقظوا ثورتنا أنت وغيرك من المبدعين.. أنتم أيها الشعراء. فلولا كلماتكم ما كانت ألحاننا..

أريد أن أسمع القصائد وأنت تلقيها بصوتك لأني أول مرة ألحن زجلاً غير مصري وذلك نزولاً عند رغبة سعدون جابر الذي أصرَّ ان يغني باللهجة العراقية فأحترمت رغبته. لذلك لا خوف عليك فأنا الآن جدير بأن أخاف لأنها تجربة صعبة..

أسمعنا يا كريم..

.. وأغمض بليغ حمدي عينيه وأصغى وأنا أقرأ:

لا رايد مراسيل ولا رايد هديه.. ردت كلمة حبيبين تجمعنا سويه

من الاول يا حبيبي عرفتك مو إليَّ

وعرفت الزمن يندار وتصير اوياه عليّ

جميع ذنوبك تهون إذا نلتم سويّ

وانا اللي أعتذر لك وأخلّي "الصوج" بيَّ

وقاطعني بليغ حمدي:

- جميل جميل.. لكن اسمح لي.. كلمة واحده لم أفهمها "الصوج" يعني إيه؟

- قلت له: الذنب.

- قال: طيب خليها الذنب تكون مفهومه عربياً

.. من هذه الملاحظه أخذت من ملحننا الكبير درساً كبيراً وأنا في بداية مشواري النفي في العراق ولم أسافر لأي بلد عربي، رغم ان لهجتي العراقية في الكتابة الغنائية قريبة جداً للفصحى. لكن ملاحظة الموسيقار بليغ حمدي جعلتني اكثر حرصاً لاستبعاد المفردات المغرقة في المحلية مادام هناك بديل مفهوم عربيا

.

ولم يكتف بليغ حمدي بالقراءة الصوتية وانما طلب مني أن أسجلها على -كاسيت- ليصطحبه معه عندما يسافر وتم له ذلك.وسافر بليغ حمدي الى لندن وبعد عدة شهور إتصل بالفنان سعدون جابر وأبلغه انه انجز الألحان وأنه جاهز للتسجيل.. إلا ان الفرحة لم تتم فلا نحن نستطيع السفر الى لندن ولا بليغ حمدي بقادر على المجيء الى بغداد.. لأن الحرب العراقية الايرانية قد إندلعت والتحقنا أنا والفنان سعدون جابر بالخدمة الإلزامية.وكان الحل ان أرسل الفنان بليغ حمدي الألحان على أشرطة موسيقى فقط الى بغداد مع أحد القادمين من لندن. وبدأنا التسجيل في ستوديوهات بغداد وبعدم حضور بليغ حمدي ويالها من معاناة كان التسجيل بأشراف مهندس الصوت عقيل عبدالسلام. وحصل أرباك كثير.. فهناك جمل موسيقية طويلة، اضطررنا معها لزيادة كلمات وفي بعضها جمل قصيره أضفنا كلمات جديدة.. ولو كنا في زمن الانترنت لكانت العملية يسيرة.ولم تُخدم الأغاني إعلامياً فالحرب مستعرة طاحنة وهوجمت الاغاني من قبل عدة ملحنين ونقاد، ونحن ننتظر ان تنتهي الحرب لاعادة تسجيلها، وكم اقترحت على الفنان سعدون جابر إعادة تسجيلها بعد انتهاء الحرب التي استمرت ثماني سنوات ثم تلتها حروب اخرى وما تزال الفكرة قائمة لكن الحروب مستمرة!فلربما في اعادة تسجيلها وتوزيعها نمنحها انتشاراً جديداً لانها ظلمت فعلاً.

"أنا في القاهرة.. بعد فوات الأوان"

وكم أنا فخور بهذه التجربة غير اني للآن أحمل في صدري غصّة، فقد دعاني الملحن الكبير بليغ حمدي لزيارة مصر،

وقال لي: "إن تجربتك ستنضج وتتوقد" لكني لم أستطع من الوصول الى مصر إلا في سنة 1996 وكان ملحننا القدير قد فارق الحياة.وفي لقاء أجرته معي إذاعة – صوت العرب – من القاهرة تكلمت بفخر عن تلك التجربة.. وفاجأتني المذيعة بأنها بثت واحدة من تلك

الاغاني اثناء حوارنا:

مشوارك حبيبي

في صوتك نغم وعيونك أسرار ومشوارك أبد ما منّه مشوار

ومن شافك يشوف القمر بالدار ومن حبك حبيبي.. لازم يغار

لو رسّام.. أرسمك شمس وغيوم ولو شاعر أعمّر بيتك نجوم

ولو مطرب أخلّي الكون فرحان.. وأرقّص لاجل عينك حتى الهموم

حبيبي يا حبيبي إنت عندي اللحن واللون والمغنه والأشعار

أريدك

أريدك وين ما وين.. هذا اليوم أريدك

مشت ناس وإجت ناس.. وأنا ناطر بريدك

لو تزرعني ويّاك.. لو تقطعني بيدك.. أريدك

الستاير لونها إفراق ودمعي بلون رمشي

غاب الصبر والعيد.. بغيابك غاب كل شي

حيارى والزمن سيف وقطار العمر يمشي

ومحطاتك حزينات وأنا إهلالك وعيدك

أريدك وين ما وين.. هذا اليوم أريدك

يالمسافر بلا روح.. صعب تلقى الأماني

مشيت بقلب مجروح وغريبات المواني

تعذبك ذكرياتك وتبكيّك الأغاني

وتجيني عيون بعيون.. وفرحنا بتوّر الكون

ويناديني أحبك.. نغم نبضة وريدك..

أريدك وين ما وين.. هذا اليوم أريدك

مشت ناس وإجت ناس.. وأنا ناطر بريدك

لو تزرعني ويّاك.. لو تقطعني بيدك.. أريدك

كانت عناوين الاغاني:"لا رايد مراسيل، أريدك، رحنا والله رحنا، مشوارك حبيبي"

.

Leave a Reply

Subscribe to Posts | Subscribe to Comments

- Copyright © بليغ حمدي - Skyblue - Powered by Blogger - Designed by Johanes Djogan -