الثلاثاء


بليغ حمدي مع المطربة وردة الجزائرية




القاهرة – محمد الصاوي


جاء دور الملحن الراحل بليغ حمدي، الذي تمر ذكراه هذه الأيام، في وقته تماماً، فبعد انزواء الكلاسيكية الكلثومية والمدرسة التحديثية التي ابتدعها محمد عبد الوهاب، كان ظهور ملحن مصري أصيل وموهوب، محمَّلاً برسالة موسيقية تحمل في طياتها ملامح المدرستين، وببصمة موسيقي عبقري، أشبه بانتشال الأغنية المصرية من حالة اللاهوية إلى أغنية لها سمات وملامح، إلى درجة أن صوت الجبل وديع الصافي غنى من ألحانه «على رمش عيونها»، وخرجت من عوده ألحان مميزة لأجمل الأصوات المصرية والعربية، من أم كلثوم وعبد الوهاب إلى نجاة وصباح.
يرى الملحن حلمي بكر أن بليغ حمدي تأثر بالملحن المثير للجدل رؤوف ذهني، الذي أشيع أنه لحّن أغاني ممهورة بتوقيع عبد الوهاب، خصوصاً في طريقة تحفيظ اللحن للمطرب والفرقة الموسيقية، إضافة إلى منهاج الجمل القوية والقصيرة، التي سرعان ما تتحول إلى «تيمات» تتوجه إلى وجدان المستمع. ويدلل بكر على ذلك بألحان ذهني لعبد الحليم حافظ، و «ثورتنا المصرية» نموذجاً، ويؤكد أن بليغ حمدي شق طريقه بعد ذلك، وحفر بجهده شخصية لحنية لها ملمح يعرفه المستمع العادي، لأن جُمله الموسيقية هي بحق سهل ممتنع وممتع، وما إن تذاع الأغنية حتى تنجح.
وعن المــطربين الذين لحّن لهم بليغ حمدي، مثل أم كلثوم ونجاة وعبد الحليم حافظ وعفاف راضي وغيرهــم، يقول بكر إن حمدي، بعدما تخلّص من وهم أن يكون مطرباً وأعطى التلحينَ كلَّ وقته وموهبته، لحــّن لأم كلثوم «حبّ إيه» وهو لا يزال في العقد الثالث من العمر، فيما كان ملحنون كبار يتمنون أن تغني لهم أسطورة الغناء العربي، ونجحت الأغنية، وتوالت ألحانه لأم كلثوم، مثل: «بعيد عنك» و «ألف ليلة وليلة» وغيرهما.
وكان لحن أغنية «تخونوه» لعبد الحليم فرصة التلاقي مع حمدي، لأن اللحن كان من نصيب ليلى مراد، لكن حليم سمعه بالصدفة واعتبره مناسباً لفيلمه «الوسادة الخالية»، وسعى إلى الحصول عليه بكل الطرق، وفعلاً تنازلت له عنه ليلى مراد، وكان ذلك عبر منتج الفيلم رمسيس نجيب، الذي رتب لقاء آخر للفنانَين في فيلمه «يوم من عمري»، في أغنية «خايف مرة أحب». وتوطدت العلاقة بين بليغ وحليم إلى حد الصداقة، وكوّنا ثنائياً فنياً استمتع الجمهور بأعماله، وشكّلا وجدان جيل بأكمله منذ الستينات من القرن العشرين، بل وجدان أجيال عدة بعد ذلك.
أما نجاة الصغيرة، فكان لبليغ حمدي الفضل في استمرارها بعد رحيل السنباطي، إذ لم يتبق لها سوى بعض ألحان عبد الوهاب، فجاءت ألحان بليغ المفعمة بالعواطف لتزداد وهجاً وتألقاً بصوت نجاة الدافئ، في أغانٍ مثل «حبك الجبار».
المتفرّد والمتمرّد
وفي حفلات الأوبرا المصرية، تشدو من ألحانه (لأم كلثوم ووردة) المطربة ريهام عبد الحكيم بصوتها العذب، وهي ترى أن بليغ صاحب بصمة في الغناء المعاصر، على غرار سيد درويش وعبد الوهاب. وعلى رغم أنها تقرّ بدور محمد الموجي وكمال الطويل وغيرهما، فإن لألحان بليغ حمدي في رأيها مذاقاً مختلفاً، خصوصاً أنه غيّر في قوالب الموسيقى العربية ووضع علامات ما زالت غالبية الملحنين تسير على هداها، فهو صاحب الإحساس المتدفق، يلعب بالإيقاعات لتزيد اللحن حيوية، كما في: «بعيد عنك» و «ألف ليلة» لأم كلثوم.
ويراهن الناقد الفني طارق الشناوي على عنصر الزمن، الذي أثبت أنه في صف بليغ حمدي، فبعد ربع قرن على رحيله، ما زال الملحنَ الرقم واحد في تحصيل حقوق الأداء العلني، ما يعني -كما يقول- أن ألحانه هي الأكثر تداولاً عبر الإذاعات والفضائيات، ليعتبر الموسيقي العربي الأكثر إنتاجاً، فيما يحلّ محمد عبد الوهاب في المرتبة الثانية بهذا المعنى. وبذلك يكون بليغ حمدي حقق المعادلة الصعبة، لأن الذاكرة الســـمعية للجمهور تخزّن ألحانه في وجدانها وتتداولها حتى اليوم.
ويرى الشناوي أن بليغ حمدي بدأ متفرداً وانتهى متمرداً، لأنه تمرد على الأشكال والقوالب التي كانت مكرّسة في أيامه. وينقل عن عمه الشاعر مأمون الشناوي قوله إن «بليغ حمدي هو الملحن الوحيد، بعد رياض السنباطي، الذي لحن وقدم أم كلثوم في شكل مختلف، لأن من لحّنوا لها لم يخرجوا من عباءة السنباطي، وقدموا لها ما تريده أو ما تعودت عليه مع جمهورها.
غنّت أم كلثوم لبليغ عشر أغان، تحتل ست منها قائمة أفضل عشر أغان لأم كلثوم بالمجمل، وأكثرها مبيعاً واستماعاً، وهي: «بعيد عنك»، و«ألف ليلة وليلة»، و«سيرة الحب»، و«حب إيه»، و«فات الميعاد» و«الحب كله».

Leave a Reply

Subscribe to Posts | Subscribe to Comments

- Copyright © بليغ حمدي - Skyblue - Powered by Blogger - Designed by Johanes Djogan -